نهضة القيم
نشر في:
09:56 AM
2023-08-02
المشاهدات: 338

هل كانت الثورةُ الحُسينية دينية؟ أم سياسية؟

«وإنما خرجتُ لطلبِ الإصلاح في أمةِ جدي» 1

يكمن الجواب في حديث الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث اختصر ثورته المباركة وجميع المبادئ والقيم السامية بكلمةٍ واحدة ألا وهي 'الإصلاح'، الإصلاحُ  بجميعِ أشكاله الفِكري والديني والسياسي والروحي والأخلاقي والإنساني..


وسنسلط الضوء على أربع قيم تلامس احتياجنا المعاصر:

( الرحمة )

قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»2

كان أول درس في إحياءِ الدين المحمدي الذي كادَ أن يندثر وتختفي معالمهُ، هو التركيز على قيمة الرحمة .

فلما جاءَ جيش يزيد (لعنه الله) ليعترضَ طريق قافلة الإمام الحسين (عليه السلام)، أمرَ الإمام فتيانه وقال: " اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشِّفوا الخَيلَ ترشيفاً "3

ولم يكتفِ بذلك، بل باشرَ بسَقي العدو بيدهِ الشريفة، وهذا الموقف العظيم يُجَسِّد أهمية التحلّي بالرحمة التي هي روح الإسلام، فكأن الإمامُ يُعلّمنا ضرورة التمسك بالقيم حتى في التعاملِ مع العدو، فضلاً عن التعامل فيما بيننا.


( العبادة )

لم يَتخذ الإمام الحسين (عليه السلام) مِن الحَربِ ذَريعةً لتأجيل الصلاة، فقد أقامها (عليه السلام) مع أصحابهِ وأهلَ بيتهِ والسِهام تنهالُ عَليهم؛ وذلك لتوضيح معنى العِبادة ، وعدم التهاون في أداء الصلاة، فهي عمودُ الدين الذي ثارَ مِن أجلِ تثبيتهِ.


 ( التضحية والفداء )

يَجُودُ بالنَّفْسِ إِنْ ضَنَّ الجَوادُ بِها ... والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ 4

إنَّ مِن أسمى القيم قيمة التضحية بالنفسِ لغايةٍ عظيمة، كرسالة السماء التي ضحى سيد الشهداء (عليه السلام) بنفسه وبذل الغالي والنفيّس من أجلِ إحيائها.. ولمعنى التضحية صور جمّة خلّدها القيام الحسيني، ومنها:

موقف الإمام العباس (عليه اسلام) وهو يُعلّمنا الإيثار بالنفسِ مِن أجلِ الإسلام والذود عن إمامِ زمانه..

وكذلك موقف المُضحّي علي الأكبر (عليه السلام)، وهو يسألُ أباه الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً: « ألسنا على الحق؟

فقال: بلى، والذي إليهِ مَرجع العِباد.

قال:  فإننا اذاً لا نُبالي أن نموتَ مُحقين »5

فهل هناك أعظم من دروس إنكار الذات هذهِ؟!

( التوبة )

وهي الباب الذي رسمته معركة الطَّف، ليبقى فاتحًا ذراعيهِ يستقبل من غرته الدنيا بزخرفها، وعكّر الإعلام المُضلل صفو بصيرته ..

فما أوضح من مشهد الحر الرياحي وهو يتفكر ويسأل نفسه متحيرا !! 

ولمّا سألوه ما بك؟!

قال: «إني والله أُخيّرُ نَفسي بين الجَنة والنار، فوالله لا أختار على الجنةِ شيئًا ولو قطعت وأحرقت»6

وهذا الموقف يُبين لَنا قِيمة التوبة ومحاسبة النفس، وما لها مِن أثرٍ عظيم على عاقبةِ الإنسانِ ومصيرهِ.


فما قامت الثورةُ الحسينية لتجذيرِ القيم والمبادئ الحقّة فحسب، بل نجحت وبجدارة في التطبيقٍ العمليٍّ في تبيان الواجب وحتى المستحب والمكروه ولم تُطبّق ذلك في الظرف الطبيعي للمُكلّف، بل أهدتنا تجربة حيّة في أحلكِ الظروف.

فتارةً نرى الإمامُ الحُسين (عليه السلام) وهو يؤدي الصلاة الواجبة تحت مَرمى النِبال..

وتارةً نَرصُدُ السيدة زينب (عليها السلام) في ليلةِ الحادي عشر وهي تؤدي الصلاة المُستحبة من جلوس بعد ساعات عصيبة مِن الفاجعةِ.

وتارةً أخرى نشاهد القاسم (عليه السلام) وهو يَنحني على شِسع نعلهِ يُصلِحه في وسطِ المعركة؛ ليعلمنا درس في نبذ المكروهات..

فأنى لَنا العُذر بَعد ذاك التطبيق الواقعي لمنهج الإسلام الذي جسّدوه بِدمائهم الطاهرة وآلامهم العميقة؟!!


__________________

المصادر: 


1_ بحار الأنوار -العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٢٩.

2-سورة الأنبياء، آية: 107.

3- الإرشاد - الشيخ المفيد- ج ٢- الصفحة ٧٨.

4- الشاعر مسلم بن الوليد.

5- الإرشاد - الشيخ المفيد - ج ٢ - الصفحة ٨٢.

6-العوالم ، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - الصفحة ٢٥٤.



ترك تعليق