قبس مِن غيرةِ المُجتبى (عليه السلام)
نشر في:
08:34 PM
2023-04-06
المشاهدات: 349

رُوِيَ أنّ مُعاويةَ (لعنه الله) ذكرَ الإمامَ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) بسوءٍ، وكانَ الإمامُ الحسنُ (عليه السلام) حاضرًا فردَّ عليه قائلًا: "أيُّها الذاكرُ عليًّا! أنا الحسنُ، وأبي علي، وأنتَ مُعاويةُ وأبوك صخر، وأُمّي فاطمةُ وأُمُّك هند، وجدّي رسولُ اللهِ وجدُّك عتبةُ بن ربيعة، وجدّتي خديجةُ، وجدّتُك فُتيلة، فلعنَ اللهُ أخملَنا ذكرًا وألأمَنا حسبًا، وشرَّنا قديمًا وحديثًا، وأقدمَنا كفرًا ونفاقًا"(1)

عندَ ذكرِ البيت العلوي لا يسعُ القلوبِ إلا أنْ يضطربَ إيقاعُ نبضاتِها اشتياقًا، ولا يسعُ العقولِ إلا أنْ تنحنيَ إجلالًا وإكبارًا، ولا يسعُ النفوسِ إلا أنْ تنشرحَ سعادةً وابتهاجًا، فترى الناسَ سُكارى في حُبِّ الآل، يستنشقونَ عبيرَ العِبَرِ مِن سيرتِهم، ويُقطِّعون أيديَهم من عظيمِ شوقهم، فيذرفون المُهَجَ أدمُعًا لمُصيبتهم، وينثرون الأرواحَ بهجةً لفرحهم..

وإذا ما تأمّلنا هذه الروايةَ التي يفوحُ مِن بين سطورِها عطرُ النَّسبِ الطاهرِ وعبقُ الحسب الزاهر، ترتسمُ أمامَنا صورةُ تلك الغيرة العلويةِ الحسنيةِ والروح الثوريةِ التي تأبى الهوانَ، حيثُ نرى الإمام الحسن (عليه سلام الله) ينتفضُ للدفاعِ عن إمامه، ويتحدّى أعتى الحُكّامِ ويفوز في حجاجه، فيكشف الزيفَ، ويُعرّي حقيقةَ مُعاوية، ويُحبِطُ مُخطّطاته الخبيثة في تشويهِ صورةِ الإمامِ علي (عليه السلام) وتسقيطه، بتلك الشّجاعةِ الحسنية وذلك العُنفوان الهاشمي، إذ رمى بكلماتِه وإذا بها تلقفُ ما يأفكون.

هكذا كانَ (عليه سلام الله) المُنتصرَ بجميعِ حروبِه مع مُعاوية؛ فإذا ثارَ عليه أفحمَه وفضحه، وإذا صالحَه فتلك حربٌ باردةٌ يُظهِرُ فيها للناسِ زيفَ وعودِ عدوّهِ ونقضَ عهوده.

وما زالتْ تلك الشخصيةُ العملاقةُ التي كُلّما استماتَ الأعداءُ في إخفاءِ نورِها سطعَت وتلألأت منارًا خالدًا في طريقِ الأحرار، ومن فيضِ كرمِه تُستمدُّ الموعظة..

ففي موقفه (عليه السلام) هذا جسّدَ أروعَ الدروسِ كي تبقى نهجًا عبرَ الأجيالِ، يُحصِّنُهم من الذُلِّ والهوان، وما أحوجَ شبابنا اليومَ لهكذا قدوةٍ تحملُ صفاتِ الشابِّ الغيورِ على دينِه الذي يعي الخطأ، ولا تنطلي عليه الخُدَع، فيُحكِّمُ العقلَ ويُحاجِجُ بالعلم، ويقولُ كلمةَ الحقِّ، ولا ييأسُ مهما شاعَ الفساد، بل يجعلُ من هِمّةِ إمامِه المُجتبى (عليه السلام) عضُدًا يشدُّ به أزرَه، ومن عزمِه عزمًا يُعينُه على أمرِ دُنياه وآخرته.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١٦، ص٤٧.



ترك تعليق